بعض الرجال، عندما يؤبنون، تؤبن معهم بنادق.. وكلمات.. ومواقف.. تؤبن صراعات كانوا يقاتلون فيها من أجل قضايانا في مواقع قتالية.. مثل ناجي علوش.. الشهيد الذي صمت قلبه بعد سنوات من محاولة إسكاته.. على حدود سايكسبيكو العربية!!
وبعض الناس.. يجدون من يؤبنهم لتؤبن معهم المواقف الاجتماعية ومواقف التساقط والإقرار بالهزائم..
وبين هؤلاء وهؤلاء مسافات من المواقف..
ناجي علوش بقي حيا بذكريات سلاحه وأفعاله وصموده في بيروت.. وكتبه التي لا تنطفئ الومضات التي تنطلق من صفحاتها..
ولهذا أعطى ناجي معنى للتأبين.. ليصبح التأبين لحظات يعلن فيها الرفاق إحياء لمواقفه.. وليس مجرد لحظات تذكر فيها اجتماعياته ومناقبه الهادئة والناعمة في زمن كل ما فيه صاخب وخشن..
لم أشعر عندما قرأت عن تأبين ناجي أنها مناسبة لتجديد العزاء لأهله.. فأنا من أهله.. وكل من راح يؤبنه.. جعلته مواقف ناجي وحياته يشعر أنه من أهله..
لكنني شعرت أن تأبينه هو طلقة إصرار على أننا لا نزال هناك..
لا نزال طلقة إصرار على حق العودة.. على استمرار الموقف الرافض لأوسلو والمفاوضات وخنوع السلطة.. على الحياة في ومن يموت فيه الخانعون في أقبية المفاوضات وأقبية التحقيق العربرسمية والحدود المفتوحة لمن يخضع.. التي أوصدت يوما في وجه ناجي وأعلنت بدء استشهاده..
ناجي أنت لا تزال بيننا.. أنا لا أجاملك.. ففي قضايانا لا مكان للمجاملات..، إما هنا.. أو هناك.. ولا وسط.. وأنت كنت دائما هنا، ولك من الرصيد الثوري ما يجعلني أقول لك ذلك.. وهو ما لا يقال إلا للقليل من الرجال..