[ملاحظة: تجدون أدناه نص محاضرة الباحث والمناضل الأستاذ أحمد السعدي في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية في 26/6/2010، وهي توثق لصيرورة التقهقر والانحدار في منظمة التحرير الفلسطينية من مشروع التحرير الكامل وعروبة فلسطين إلى مشروع التعايش مع المحتلين والدويلة الفلسطينية. وإذ نمرر هذه المحاضرة المهمة، فإننا نؤكد أن تشريح مقولة الدويلة الفلسطينية لا يأتي هنا في سياق الترويج لمشروع تسووي تعايشي أكثر خطورة هو مشروع “الدولة الواحدة”، بمسمياتها المختلفة، بل من أجل دحض كل مشاريع التسوية والتعايش مع العدو الصهيوني، ومن أجل التأكيد على ثوابت الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل وعلى رأسها عروبة كامل فلسطين، وتحريرها من اليهود بالكفاح المسلح طريقاً أوحد. – اللجنة الإعلامية في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية].
في اي حديث عن القضية الفلسطينية يجدر أن نتذكر ونؤكد على حقائق القضية الفلسطينية، حيث تم تشويه أو اغفال هذه الحقائق، فلنذكر ثلاث حقائق للقضية الفلسطينية، ونرى كيف يتم القفز عنها اعلاميا؟
1 – هناك هجمة غربية للهيمنة على الوطن العربي: جناحاها: التجزئة، كما عبرت عنها – اتفاقية سايكس بيكو، – اقامة قاعدة عسكرية تثبت التجزئة وتهدد الأمن العربي على شكل دولة، فكانت (اسرائيل) وليدة الحركة الصهيونية.
وتختلف (اسرائيل) عن أي استعمار او استيطان بكون الدول الغربية تتكامل جهودها في هذا المجال بينما كانت تتصارع في المناطق الأخرى أحيانا وتتقاسم النفوذ أحيانا أخرى.
ويوضح موقف الدول الغربية ما ورد في مذكرة لبلفور صاحب التصريح سيء الذكر.. يقول فيها “سواء كانت الصهيونية خيرا أو شرا على حق أو باطل فالحلفاء سيؤيدونها” والحلفاء هم حلفاء الحرب العالمية الأولى، انكلترا، فرنسا، ايطاليا والولايات المتحدة.. وهذا القول نراه ساريا حتى يومنا هذا.
2 – اقامة الكيان الصهيوني موجه ضد الأمة العربية، والتعامل مع الكيان الصهيوني كان عربيا وشاملا وليس فلسطينيا.
– فالمقاومة الشعبية العربية في فلسطين كانت في قياداتها وعناصرها عربية إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ليس فقط نصرا للشقيق بل دفاعا عن الأمة، وأرض فلسطين تزخر بالشهداء العرب قادة وجنودا.
– محطات مسيرة القضية كانت بقرارات الحكومات العربية حربا وسلما، هدنات ومبادرات، مواقف سلبية أو ايجابية.
3 – حقائق القضية هذه بدأ العبث بها، ولتثبيت الاحتلال للارض، يجري العمل على الاحتلال للعقول والأفكار. وكانت هنالك سياسات واجراءات واعلام في هذا الاتجاه تضليلا وانحرافا عن حقائق القضية، ومن شعارات التضليل، شعار الدولة الفلسطينية.. والقرار الفلسطيني المستقل والصراع الاسرائيلي الفلسطيني والقيادات الشرعية المنتخبة والحروب تنتهي باتفاقيات، والوحدة الوطنية تغطية وسكوتا عن الفئات المنحرفة وعن القرارات التنازلية ان لم يكن جر الآخرين لها، ثم التضليل حتى في حدود فلسطين، فترفع شعارات.. فلسطين من رفح إلى جنين.
فتحذف من أفكار وذاكرة الجيل الجديد معرفة مدن فلسطين وقراها المحتلة يافا وحيفا وعكا وبئر السبع وصفد والناصرة وغيرها من المدن والقرى.
ولا ننسى أن من مرادفات التضليل اعتبار 1/1/1965 بداية الثورة الفلسطينية والكفاح المسلح ليتم تجاهل ثلاثين سنة سبقتها من الكفاح الفلسطيني في ظل الانتداب البريطاني حيث لم يكاد يسلم بيت فلسطيني من اعتقال أو شهيد، فكانت القوات البريطانية هي التي تواجه الثورات الفلسطينية.
ان مناقشة شعار الدولة الفلسطينية يوضح التعليل الرئيسي، وهو الشعار الذي يحول قضية الاحتلال الى قضية الخلاف مع (اسرائيل) على حدود هذه الدولة.. ومن يحق له الاقامة فيها من اللاجئين.. وطبيعة دورها.. وحجم الاستيطان فيها وموقع القدس منها.. وما يسمى قضايا الحل الدائم بما فيها المياه الجوفية، فهذه القضايا ليس فيها ثابت، فهي قضايا للتفاوض، والتفاوض حولها مستمر منذ أوسلو 1993 قبل سبعة عشرة سنة.
فلسطين وطن عربي محتل وكل الحركات والمنظمات الفلسطينية كان شعارها وهدفها تحرير فلسطين.. بل قام معظمها وبشكل رئيسي محورها في منظمة التحرير الفلسطينية حركة فتح ولم تكن الضفة الغربية وقطاع غزة محتلين.. بل كان شعار هذه المنظمات تحرير فلسطين وبالكفاح المسلح وحده.. وكانت حركة فتح تضيف إلى ذلك حين يطلب منها اللقاء والتنسيق مع أي منظمة فلسطينية “الحوار واللقاء على أرض المعركة”.. فكيف تحول هدف التحرير إلى اقامة دولة وبالتفاوض مع العدو المحتل على جزء محتل عام 1967، وهو الضفة التي احتلت وهي جزء من المملكة الأردنية الهاشمية، وقطاع غزة الذي احتل وهو تحت اشراف ومسؤولية الحكومة المصرية.
فلنتابع كيف تحول هدف التحرير إلى هدف الدولة.. وأصبح هدف الدولة بديلا أو تآمرا أو تجاهلا وتجهيلا بهدف التحرير كأي أرض محتلة في العالم.
هذا التحول أو الانقلاب على هدف التحرير يمكن لتفهمه تتبع فكرة الكيان الفلسطيني في مسيرة القضية الفلسطينية في ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى 1897 – 1948
بدأت هذه المرحلة عام 1897 بانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ثم بعد عشرين عاما تتوجت قرارات هذا المؤتمر بتصريح وزير الخارجية البريطاني بلفور عام 1917 باقامة وطن لليهود في فلسطين وتبع ذلك الاحتلال والانتداب البريطاني على فلسطين لثلاثين عاما حتى عام 1948. وكانت وظيفة الانتداب البريطاني كما جاء في صك الانتداب المادة الثانية، العمل على ايجاد الظروف لاقامة دولة لليهود في فلسطين. فكان البريطانيون يصنعون دولة للكيان الصهيوني في فلسطين يوما بيوم حتى قيل بحق.. (اسرائيل) صنعت في لندن والذي كان يقوم بالتضحيات وتكلفة الاحتلال ومقاومة الثورات ضد الحركة الصهيونية وهدفها هي القوات البريطانية.
حين عقد المؤتمر الصهيوني الأول وحين صدر تصريح بلفور كانت فلسطين ضمن ولايات سورية خاضعة كغيرها من المشرق العربي للخلافة العثمانية، فلم يكن هنالك كيان فلسطيني بالحدود التي صنعتها بريطانيا. ولذلك فالقيادات الفلسطينية في المؤتمر العربي الفلسطيني المنعقد في القدس عام 1919 اعتبرت فلسطين جزءا من سوريا حيث لم يسبق أن انفصلت عنها في يوم من الايام (1). وفي مذكرة لمجلس الشيوخ الأمريكي ارسلتها الأندية والجمعيات العربية في مدينة القدس تتحدث فيها عن فلسطين بأنها الجزء الجنوبي من سوريا (2). وفي عام 1931 صدر الميثاق القومي العربي في القدس واشار الميثاق إلى المؤامرة الاستعمارية باشغال كل قطر عربي عن الأقطار الأخرى (3).. ورفض الميثاق كل اشكال التجزئة.
وفي عام 1947 رفضت القيادة الفلسطينية برئاسة الحاج أمين الحسيني تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية أي ما يسمى حاليا حل الدولتين.. وساندت هذا الموقف دول الجامعة العربية، وهكذا في هذه المرحلة كان هنالك رفض لفكرة الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين، واعتبار فلسطين كلها جزء من سوريا ومن الوطن العربي.
وفي هذه المرحلة كانت الثورات الفلسطينية والتي شارك فيها قيادة وجنود ومواطنون عرب من مختلف الأقطار العربية ولا سيما الأقطار المجاورة وانتهت هذه المرحلة عام 1948 بحرب بين جيوش عربية وعصابات صهيونية انتهت بالنكبة وتقسمت فلسطين إلى ثلاثة اقسام:
– قسم محتل من الكيان الصهيوني أعلن فيه دولته (اسرائيل) على 78% من ارض فلسطين مع أن قرار التقسيم المقر من الأمم المتحدة يعطيها 55% من فلسطين وكان اليهود ثلث السكان ويملكون فقط 6ر5% من مساحة فلسطين.
– والجزء الشرقي من فلسطين أصبح الضفة الغربية من المملكة الأردنية الهاشمية.
– والجزء الجنوبي وهو قطاع غزة تحت اشراف الادارة المصرية.
وعقدت الدول العربية الهدنة الدائمة مع العدو الصهيوني، وليس مع اي كيان فلسطيني أو قيادة فلسطينية، وقد شكلت الهيئة العربية العليا لفلسطين حكومة أسمتها حكومة عموم فلسطين لم يكن لها أي سلطة على اي جزء من فلسطين بل كانت حكومة رمزية لها ممثل في الجامعة العربية وكان ذلك ردا على الاحتلال وتوقف الحرب والمقاومة. ولم تقم أي معارضة فلسطينية تذكر لضم ما تبقى من فلسطين للأردن أو لاشراف الادارة المصرية.
المرحلة الثانية 1948 – 1967
خلال الجزء الأول من هذه الفترة أصبح واضحا للجماهير العربية مأساة التجزئة للوطن العربي وتبعيتها كمسؤول عن نكبة عام 1948، فنشطت حركات التغيير العربي نحو الوحدة كطريق للتحرير لمواجهة (اسرائيل) المدعومة بدون حدود من الدول الغربية، وانخرط الشباب الفلسطيني في الأحزاب العربية دينية أو قومية او اشتراكية.. وعمت الانقلابات دولا عربية وعم عدم الاستقرار دولا عربية أخرى.. والمد الوحدوي نجم عنه قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا خلال الفترة 1958 – 1961، كما كان هنالك نهوض جماهيري استطاع احباط الأهداف العسكرية وفي مقدمتها حلف بغداد.. والمد الوحدوي عبرت عنه القيادة الفلسطينية وهي الهيئة العربية العليا والتي قادت الحركة الفلسطينية خلال فترة الانتداب البريطاني حين طالبت عام 1957 “اعتبار فلسطين فريقا في الاتحاد العربي المزمع عقده بين مصر وسوريا” (4).
وفي الجزء الثاني من هذه المرحلة قامت حركات فدائية فلسطينية لتقوم بدورها في التحرير.. ولم تتبن أيا منها شعار دولة فلسطينية، وكان هنالك تصريح للرئيس التونسي بورقيبة بالاعتراف باسرائيل وفق قرار التقسيم وواجه استنكارا رسميا وشعبيا ولم يجد اي تأييد. ولكن الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم أنشأ فوج التحرير الفلسطيني وطالب بدولة فلسطينية، وكانت هنالك مطالبات عربية بالكيان الفلسطيني ليقوم بدوره بالتحرير، ويعبر عن مأساة قيام (اسرائيل) وتهجير الشعب الفلسطيني وتم التعبير عن أهمية وجود قيادة فلسطينية بقرار قمة عربية بقيام منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الشقيري في عام 1964 وعلى أساس ميثاق قومي صدر عن المجلس الوطني الفلسطيني الذي أسس منظمة التحرير. وفي هذه القمة تقرر كذلك قيام القيادة العربية العسكرية الموحدة، حيث أن تحرير فلسطين مسؤولية عربية يتكامل الدور الفلسطيني مع الدور العربي الشامل وتم التعبير بوضوح عن ذلك في الميثاق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
المادة الأولى: تنص على أن فلسطين وطن عربي.
المادة الرابعة: تنص على أن شعب فلسطين يقرر مصيره بعد أن يتم التحرير.
المادة 24: تنص على أن لا تمارس المنظمة أية سيادة اقليمية على الضفة الغربية في المملكة الأردنية الهاشمية ولا في قطاع غزة، وسيكون نشاطها على المستوى القومي الشعبي في الميادين التحريرية والتنظيمية والسياسية والمادية
في نهاية هذه المرحلة عام 1967، حصل العدوان الاسرائيلي على مصر وسوريا والأردن فتم احتلال بقية فلسطين وسيناء المصرية والجولان السورية، وعقد في أعقاب ذلك مؤتمر القمة العربي في الخرطوم ليصدر لاءاته الشهيرة برغم الهزيمة القاسية.. لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع اسرائيل، وبدأ الاستعداد لحرب عربية اسرائيلية قادمة.
وهكذا يتضح منذ نشأة القضية الفلسطينية وحتى عام 1967، لم يكن هنالك شعار “دولة فلسطينية” بل كان الشعار هو التحرير سواء من دول عربية أو من حركات شعبية فلسطينية وغيرها.. اذا استثنينا موقف بعض الأحزاب الشيوعية التي لم يكن لموقفها صدى شعبيا بل عانت هذه الاحزاب من ذلك بسبب موافقتها على التقسيم المعترف باسرائيل.
المرحلة الثالثة 1968 – حتى يومنا هذا
في بداية هذه المرحلة فان شعار (دولة فلسطينية) كان بين الرفض والادانة وبين الترويج والحذر من قبل القيادة الفلسطينية. ولكن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية سعت إلى تطوير هذا الشعار ليتوافق مع قرارات لقمم عربية.. وقد مرت صناعة هذا الشعار والترويج له بعدة محطات.
المحطة الأولى 1967 – 1971، في هذه المحطة تداخلت مواقف الرفض والادانة لفكرة الدولة الفلسطينية مع مواقف الترويج الحذر وبذر فكرته، فلنتابع أولا نماذج مواقف الرفض والادانة.
في الشهور الأولى للاحتلال للضفة والقطاع، روج بعض موظفي الادارة العسكرية الاسرائيلية لفكرة دولة في الضفة الغربية، فكان هنالك شبه اجماع في الضفة على رفض هذه الفكرة رغم مرارة الهزيمة والاحتلال، وصدر بيان بعنوان (الميثاق الوطني المرحلي) وقعه ممثلو القوى والهيئات الوطنية في الضفة الغربية في تشرين أول 1967، ونقتطف من هذا البيان التالي:
“اننا اذ نؤكد اصرارنا على عودة وحدة الضفتين لنتذكر بألم أوضاعا سادت أجهزة الحكم في الأردن خلقت آثارا محزنة في نفوس المواطنين، ولكننا نعلم أن شعب الأردن بضفتيه وقد هزته النكسة.. يرفض باصرار الدعوة المشبوهة لاقامة دولة فلسطينية يراد لها أن تقوم منطقة عازلة بين العرب واسرائيل مرتبطة بالوجود الصهيوني الدخيل، ونعتبر تلك الدعوة وسيلة لاخراج القضية الفلسطينية من محيطها العربي وتجريدها من مفهومها القومي وعزل الشعب العربي الفلسطيني عن أمته، وأن اقامة مثل هذه الدولة من شأنه تصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية”. (5
وصدر عن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الرابعة في تموز 1968 بالنسبة لفكرة الدولة الفلسطينية التالي “تسعى الحركة الصهيونية والاستعمار وأداتهما (اسرائيل) الى تثبيت العدوان الصهيوني على فلسطين وإلى تعزيز الانتصار العسكري في 5 حزيران، كيان يقوم على اعطاء الشرعية والديمومة لدولة (اسرائيل) الأمر الذي يتناقض كليا مع حق الشعب العربي الفلسطيني في كامل وطنه”.
وفي 10/11/1970 (6) في حديث لرئيس المنظمة ياسر عرفات في جريدة الأهرام يقول فيه “ان هنالك مخطط أمريكي اسرائيلي يرمي الى اقامة دولة فلسطينية مرتبطة باسرائيل مؤكدا أن الثورة الفلسطينية ستقاوم انشاء هذه الدولة حتى آخر رجل”. (7)
وفي 11/1/1971 وفي حديث للقائد البارز في حركة فتح صلاح خلف لجريدة الرأي العام الكويتية “ان الثورة الفلسطينية ترفض الدولة الفلسطينية سواء كانت مطروحة أو غير مطروحة لكونها تعني أن نوقع هزيمتنا بأيدينا.. ويراد من هذه الدولة أن تكون جسرا بين اسرائيل والدول العربية لتحتل اسرائيل هذه الدول مرة ثانيا اقتصاديا”.
أما مواقف وضع بذور هذه الفكرة والترويج الحذر لها تمشيا مع فلسطنة الصراع مع (اسرائيل) ومن قيادات أدانت هذه الفكرة!!
بداية فان القيادي الرئيس في حركة فتح صلاح خلف في كتابه (فلسطيني بلا هوية) يذكر بأنه بعد شهرين من هزيمة حزيران 1967 تم عرض تقرير سياسي لحركة فتح يتضمن اعلان التأييد لقيام دويلة في الضفة الغربية والقطاع، وانه كما يذكر بالرغم من واقعية التقرير اصطدم بمعارضة حادة داخل اجهزة القيادة لحركة فتح.. فقررنا احالة التقرير الى المحفوظات بانتظار مجيء “أيام افضل”، وينسب خلف عرض التقرير الى القيادي في فتح فاروق القومي. (8)
وطرحت حركة فتح شعار الدولة الديمقراطية عام 1968 فصلاح خلف عرض هذا الشعار كما يذكر في كتابه المذكور في تشرين أول 1968، ولكن لم يتم تبني هذه الفكرة رسميا الا في الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني في آذار 1971.
وتمشيا مع فلسطنة القضية.. طريقا للدولة الفلسطينية يجب العودة إلى المجلس الوطني الفلسطيني الرابع المنعقد في تموز 1968 حيث كانت بداية نفوذ حركة فتح في المجلس، تم تعديل الميثاق القومي الفلسطيني، والتعديلات توضح النهج لفلسطنة القضية والبحث عن الدولة..
– المادة الأولى التي كانت تنص على أن (فلسطين وطن عربي) عدلت لتنص على أن (فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني).
– وألغيت المادة 24 من الميثاق القومي التي تنص بأنه (لا تمارس هذه المنظمة أية سيادة اقليمية على الضفة الغربية في المملكة الأردنية الهاشمية ولا في قطاع غزة).
– في نيسان 1971، يذكر المناضل بهجت أبوغربية في مذكراته: أن عرفات طرح عليه سؤالا.. (ما رأيك بتشكيل حكومة فلسطينية في المنفى؟) والتي في رأي الأستاذ بهجت في تلك الظروف تعني التخلي عن الكفاح المسلح والدخول في مفاوضات مع العدو، فنصحته بالابتعاد عن هذا الطريق.
محطات في سنوات 1974، 1977 و1982 و1988 و1993 وهي سنوات طرح فكرة الدولة الفلسطينية في جلسات المجلس الوطني الفلسطيني بدءا تحت عنوان سلطة مقاتلة.. إلى اعلان الدولة.. إلى دولة تعترف (باسرائيل) وبقرار مجلس الأمن 242 وفي نفس هذه السنوات تم التنازل التدريجي عن الكفاح المسلح وتحرير فلسطين وصولا الى اتفاقية أوسلو 1993.
المحطة الأولى عام 1974، وهي المحطة التي وضعت وبشكل رسمي القاعدة والمتطلبات والمبررات للدولة وتأييد قمة عربي، ومباركة وتشجيع دولي، بل لنقل تلبية لمطلب دولي وعربي. في هذا العام 8/6/1974 أقر المجلس الوطني الفلسطيني البرنامج السياسي المرحلي والمسمى برنامج النقاط العشر، فكان في النقاط:
1 – لم يعد الكفاح المسلح وحده طريقا للتحرير كما كان سابقا، بل أصبحت كما هي في النقطة الثانية من البرنامج النضال “بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح”، وذكر في المادة الهدف من تعدد الوسائل “اقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على جزء من الأرض الفلسطينية يتم تحريرها.. فزرعت بذور تحرير جزء من فلسطين لاقامة السلطة عليه ولارضاء المتشككين وضعت صفة المقاتلة للسلطة حتى يعطي الانطباع بعدم ترك الكفاح المسلح. ولمزيد من التطمين وحتى يمكن ترويج هذا الهدف المستجد ووسائله المستجدة، ذكر في النقطة الثالثة “أن المنظمة ضد أي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة وحرمان شعبنا من حقوقه في العودة”، اذن يتم البحث عن السلطة ليبدو أن ذلك ليس تجاهلا للحقوق الأخرى.
وحتى تستطيع القيادة أن تتصرف بحرية وتفسر هذه المواد كما تريد، نصت النقطة العاشرة على أن “تضع قيادة الثورة التكتيك الذي يخدم ويمكن من تحقيق هذه الأهداف”.
التطمينات التي صيغت حول فكرة السلطة الوطنية على أي جزء يتحرر، لم تطمئن الكثيرين، فأعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنها ستقاوم أي انحراف.. وأن موافقتها على برنامج النقاط العشر، لمنع أي تفجير في الساحة الفلسطينية.. (ويمكن القول أن الموافقة على ما يبدو انحرافا، تمت بحجة الوحدة الوطنية)، ثم انسحبت الجبهة الشعبية من اللجنة التنفيذية حتى لا تتحمل مسؤولية الانحراف التاريخي لاي قيادة للمنظمة تتعامل وبرنامج النقاط العشر كترخيص شرعي لها للسير على طريق الانحراف. (10)
هذا البرنامج المرحلي لاقى تجاوبه ومكافآته في مؤتمر القمة العربي السابع المنعقد في الرباط ليصدر قراره (بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي اقامة السلطة الوطنية المستقلة بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني على أي أرض فلسطينية يتم تحريرها).
ومع ما سمي المرحلية، وقد بدت مرحلية في التنازل عن التحرير نحو هدف جديد وهو اقامة سلطة على ارض محررة!! وليس مرحلية الحصول على الحقوق.
مع هذا الموقف الفلسطيني المؤيد والمبارك بل لعله المطلوب من أنظمة عربية تجاوبت معه الأمم المتحدة، ودعت رئيس المنظمة ليخاطب الجمعية العامة حاملا، كما قال، غصن الزيتون، أي السير نحو حل سلمي، وأصبحت المنظمة عضوا مراقب في الأمم المتحدة.
1977 – المحطة الثانية على طريق تبني هدف الدولة، والتنازل وحذف كلمة المقاتلة التي كانت توصف بالسلطة المنشودة في برنامج النقاط العشر.
صدر عن الدورة الثالثة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في آذار 1977 الاعلان السياسي المتبني لهدف اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في البند الثالث عشر من الاعلان وبذلك أصبح شعار الدولة الفلسطينية وهدفها، هو ما تتبناه قيادة المنظمة، ورافق ذلك ما تضمنه الاعلان السياسي (حق منظمة التحرير في الاشتراك بشكل مستقل ومتكافىء في جميع المؤتمرات والمحافل والمساعي المعنية لقضية فلسطين كما جاء في النقطة الخامسة عشرة من الاعلان.
وظلت بعض نقاط البرنامج تتحدث عن رفض التسويات الاستسلامية ورفض قرار مجلس الأمن الدولي 242، ولكن في المادة الرابعة عشرة تتحدث عن أهمية العلاقة والتنسيق مع القوى اليهودية الديمقراطية والتقدمية في داخل الوطن وخارجه.
وفي المادة الخامسة عشرة أكد الاعلان حرص المنظمة على الاشتراك بشكل مستقل ومتكافىء في جميع المؤتمرات والمساعي الدولية المعنية بقضية فلسطين.
وأعلنت وزارة الخارجية الامريكية استعدادها للحوار مع المنظمة في حال اعترافها بقرار مجلس الأمن 242.
واحتجت مرة أخرى الجبهة الشعبية وانسحبت من اللجنة التنفيذية وبعد شهور من هذا الاعلان كان اعلان الرئيس المصري السادات رغبته بالذهاب للكنيست الاسرائيلي من اجل السلام وذلك في خطاب له في مجلس الشعب المصري بحضور رئيس منظمة التحرير عرفات، واتبعه بعد عشرة أيام بزيارة للكنيست الاسرائيلي والقاءه خطابا دعا فيه إلى اقامة دولة فلسطينية. وردا على زيارة السادات عقدت قمة عربية مصغرة في طرابلس في 2/12/1977 تحدث فيها ياسر عرفات وأشار بأنه ليس من حق هذا الجيل أن يطعن القضية ويغلق أبواب التحرير!! ولكنه اضاف بعدم اتخاذ مواقف وتصريحات تقيد حركتنا على أي صعيد سياسي.
1982 المحطة الثالثة مؤتمر القمة العربي في فاس يلغي قرارات مؤتمر القمة في الخرطوم عام 1967 التي ترفض الاعتراف والصلح والتفاوض مع اسرائيل
عرض على هذه القمة المنعقدة في ايلول 1982 مبادرة ولي العهد السعودي فهد وتم اقرارها، وفي أحد بنودها (قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس في الاراضي المحتلة عام 1967 بعد انسحاب اسرائيل منها) فبذلك اقرت القمة العربية مع الدولة الفلسطينية نسيان وتجاهل التحرير وقرارات القمم العربية السابقة، والاعتراف عمليا لاسرائيل فيما اختلته عام 1948 ورافق اقرار هدف الدولة بندا آخر ينص على حق دول المنطقة أن تعيش بسلام.، لم يقل القرار الدول العربية بل المنطقة ليفهم منها أن ذلك يشمل (اسرائيل) والقيادة الفلسطينية وافقت على هذه المبادرة، وبذلك ألغيت عمليا قرارات قمة الخرطوم، لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف باسرائيل، واصبح المطلب دولة فلسطينية ونسيان ما احتل عام 1948، وكانت مبادرة الأمير فهد عرضت قبل عام في فاس ولم تقر وجرت أحداث بعد ذلك أهمها احتلال اسرائيل للبنان حتى حصار بيروت في ايلول 1982 وخروج القوات الفدائية منها وفق اتفاقية بواسطة المبعوث الأمريكي فيليب حبيب.
1988 المحطة الرابعة، المجلس الوطني لم يكتف بهدف الدولة بل أعلن قيامها ليحتفل المؤتمرون بها ويوقعون على اعلان الاستقلال الذي يتضمن الاعتراف بقراري مجلس الأمن 242 و338 ودولة في الضفة والقطاع
عقد هذا المجلس في الجزائر في تشرين ثاني 1988 وصدر عنه ما سمي اعلان الاستقلال، وتحدث عن أن قرار الجمعية العامة رقم 181 عام 1947 الذي قسم فلسطين إلى دولتين ما زال يوفر شروطا للشرعية الدولية.
وبناء على ذلك بينما رفضت الولايات المتحدة اعطاء عرفات تأشيرة زيارة للولايات المتحدة ليلقي خطابا في الجمعية العامة للأمم المتحدة لكونه يؤيد الارهاب!! ذهبت الجمعية العامة كلها إلى جنيف بما فيها المندوب الأمريكي ليخاطبها عرفات معلنا اعترافه وتأييده لقراري مجلس الأمن 242 و338 اللذين رفضا منذ صدورهما عامي 1967 و1973.
فتح الباب للتفاوض العلني في اعقاب حرب الخليج الأولى التي قادتها الولايات المتحدة لاخراج الجيش العراقي من الكويت، وأعقب ذلك مؤتمر دولي للسلام في مدريد عام 1991، والذي انتهى باتفاقية أوسلو التي اعترفت بحق اسرائيل بالوجود على 78% من فلسطين والتفاوض على الـ 22% وما سمي قضايا الحل الدائم وهي القدس واللاجئين والاستيطان وحدود الدولة والمياه، فهذه قضايا للتفاوض فلم يبق أي ثابت سوى التفاوض الذي مضى عليه سبعة عشر عاما بشكل معلن واسرائيل ماضية في سياساتها وسلطة أوسلو ملتزمة بالتفاوض وفقط بالتفاوض أي ما تقره (اسرائيل) من كيان ودولة، اذا ارادت كيان يؤمن (أمن اسرائيل) وهذا دور الدولة الفلسطينية فلم تعد هناك اعلاميا أراضي محتلة ولكن أراض مختلف عليها.
وأريد أن أنهي الحديث بالملاحظات التالية:
1 – ان قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ما كان بامكانها أن تحول الأنظار عن التحرير الى هدف الدولة المتفاوض عليها مع اسرائيل بالضفة والقطاع لولا دعم كبير غير محدود مالي وسياسي وأمني واعلامي من قبل الأنظمة العربية التي أرادت أن تتخلى علنا عن هدف التحرير وبذريعة أن هذا شأن فلسطيني، ووجدت في قيادة المنظمة أو أوجدتها لتقوم بهذا الدور، وبالتالي لتوقع هذه القيادة على الاعتراف بحق اسرائيل بالوجود نيابة ومقدمة وتغطية لدور أنظمة التسوية العربية.
2 – شعار الدولة الفلسطينية والهوية الفلسطينية لاقى هوى في نفوس قطاع كبير من الفلسطينيين، وتغذى ذلك من عاملين.. العامل الأول:
المعاناة اليومية وسياسات تأزيم الأوضاع المعيشية في الدول العربية وان بدرجات متفاوتة.. فكان التطلع لمخرج بكيان أي كيان.. والعامل الثاني هو سياسات التأييس من التحرير الذي تبنته قيادة المنظمة بعكس كل ما تفعله قيادات التحرير في العالم بزرع الأمل.. وركز الاعلام والتوجيه السياسي لقيادة المنظمة على الهوية ومن النماذج.. كتاب القائد صلاح خلف – فلسطيني بلا هوية – كتاب يزيد الصائغ الذي ارخ للحركة الفلسطينية الحديثة بعنوان الكفاح المسلح والبحث عن الدولة.. والتثقيف الذي ركز على عذابات الفلسطينيين وسوؤ معاملتهم في الدول العربية.. أكثر من التركيز على الصراع مع العدو الصهيوني والاحتلال.. والتركيز على الهوية ترافق مع تراجع المد الوحدوي وطغيان التثقيف والسياسات الاقليمية، ففي مدارسنا يدرس طلابنا الحرب العالمية الأولى والثانية واكتشاف العالم الجديد ولكنهم لا يدرسون الهجمة الاستعمارية ولا القضية الفلسطينية والحروب العربية الاسرائيلية وهذه الهجمة التي نعاني منها، يعرفون باريس مدينة فرنسية ونيويورك مدينة امريكية ولكنهم لا يتعلمون أن حيفا ويافا مدنا فلسطينية.
3 – لا اريد أن أنهي هذا الحديث وأترك انبطاعا بأنه لا داعي لكيان فلسطيني، بل بالعكس من ذلك تماما، ولكنه الكيان المقاوم بكل أشكال المقاومة وهو شرط اساسي لابقاء شعلة التحرير ومنع التطبيع والوقوف في وجه التنازلات عن التحرير، ومن الواجب توسع المقاومة الفلسطينية لتتمثل جميع الهيئات والاتجاهات الوطنية من جهة وبنفس الأهمية تعريب المقاومة فكرا وعمليا وعلى كل المستويات، فالشعب العربي ليس نصيرا أو داعما فقط بل هو جزء أساسي من المقاومة.. تعريب المقاومة يصلب عودها ويحميها بأمتها.
ملاحظة: لمن يريد معرفة مراجعة عالجت موضوع الكيانية الفلسطينية والدولة الفلسطينية فأشير هنا الى مرجعين:
1 – ماهر الشريف، البحث عن كيان، حركة الابحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، نيقوسيا، قبرص، 1995.
2 – يزيد الصائغ، الكفاح المسلح والبحث عن الدولة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 2004.
الهوامش:
(1) ماهر الشريف، البحث عن كيان، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية، نقيوسيا، قبرص 1995، ص 25 و26.
(2) نفس المصدر، ص 26.
(3) نفس المصدر، ص..
(4) نفس المصدر، ص 32.
(5) المصدر السابق، ص 182، 183.
(6) المصدر السابق ص 261.
(7) المصدر السابق ص 212.
(8) صلاح خلف، فلسطيني بلا هوية، ص 220 .
(9) بهجت أبوغربية، مذكرات (1949 – 2000)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2004، ص 257.